مع لحظات الحسم
يزلزلنا قول الحق
" اتقوا
الله وكونوا مع الصادقين "
د. محمود
السيد حسن داود
الأستاذ
المشارك بجامعة الأزهر وجامعة البحرين
إخواننا
وأحباءنا وأهلينا على أرض الكنانة العزيزة، تدركون أن مصر
اليوم تمر بأدق أيامها وأحرج لحظاتها وأصعب مراحلها، إنها
مرحلة الانتخابات الرئاسية، وهى مرحلة فاصلة، لأنها إما أن
تخرج منها مصر رائدة قائدة عزيزة، تقوى على التأثير فى
الشرق والغرب كما كانت، وإما أن تعود إلى ما كانت عليه فى
العهد السابق من الفساد الذى استشرى فى كل ناحية، والخراب
الذى وصل إلى كل مكان، والدمار الذى حل بكل مؤسسات الدولة،
وباتت على أثر ذلك مصر فى ذيل العالم وفى مؤخرة الأمم.
وأبناء مصر
الشرفاء هم الذين يحبونها، ويعملون على النهوض بها ويقومون
على إعلاء رايتها وإعزاز كلمتها، هؤلاء لا تزلزلهم العواصف
ولا تؤثر فيهم التيارات المغرضة التى يحملها إليهم الإعلام
الموجه، لأن أبناء مصر الشرفاء على الحق ثابتون، وفى
ثغورهم صامدون، وعلى النهوض بمصر حريصون ومصمممون.
إخواننا وأهلينا
وأحباءنا ، وبعد أن اقترب موعد السباق ودنت ساعة الحسم،
وتهيأ كل واحد لحسم أمره وعقد عزمه على اختيار المرشح الذى
يروق له، نود التأكيد على أمر لا مجال للخلاف فيه، وهو أن
مصر الكنانة، ومصر الإسلامية، ومصر القائدة والرائدة، لن
تنهض إلا بالإسلام، فالإسلام هو روحها، وماؤها وغذاؤها،
وهو سر ريادتها وتقدمها، وسر عظمتها وتفوق أبنائها، ودورها
من خلال الأزهر الشريف ومن خلال كل العاملين للإسلام على
اختلاف توجهاتهم ومشاربهم فى الحفاظ على الإسلام ولغته، لا
ينكره قريب أو بعيد، ولهذا فإننا نعلنها عقيدة مدوية وندعو
كل أبناء مصر إلى إعلانها واعتناقها، وهى أنه لا مكان
اليوم فى قلب كل مصرى أصيل لفلول النظام السابق، لا مكان
لرايتهم ولا لمذاهبهم ولا لأفكارهم ولا لتوجهاتهم، لأنهم
يريدون أن يعيدوا مصر إلى الوراء، وإلى سيرتها السابقة فى
عهد النظام البائد.
كما يتوجب
التأكيد من ناحية أخرى على أننا مع الرايات الإسلامية التى
تخوض هذه الانتخابات، والتى جعلت من سباق الرئاسة سباقا
ساخنا محموما، وغير مسبوق فى تاريخ مصر، وإن تعددت هذه
الرايات وكثرت، فإننا لا نجرح أحدا، ولا نعيب على أحد، ولا
نقلل من قدر أو مكانة واحد منهم، ونظن أن لكل واحد منهم
جهده المشكور واجتهاده المأجور، لكن الراية الإسلامية التى
نراها جديرة بمصر، وجديرة بمكانتها وهيبتها وعظمتها، هى
راية د. محمد مرسى، العالم الحاذق، والمهندس المخضرم،
والسياسى البارع، والبرلمانى المجرب، والمسلم القوى،
والناصح الأمين . إن جهاده العلمى وجهاده السياسى
والبرلمانى يؤهله لهذا المنصب الخطير، وهو الذى لصدق توجهه
ورسوخ مبادئه يستطيع أن يقود سفينة مصر فى المرحلة القادمة،
ونستطيع أن نقول له : لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك
بسيوفنا.
ولعل من أهم ما
يميزه عن غيره فى الساحة ، رئاسته لحزب الحرية والعدالة
الذى حقق نجاحات مبهرة فى الانتخابات البرلمانية، وانتماؤه
إلى جماعة الإخوان المسلمين، التى تحملت ما تحملت فى العهد
البائد من أجل مصر الغالية، ومن أجل هذا اليوم العظيم التى
تنعم فيه مصر بكامل حريتها وبكامل قوتها، وإن مؤسسات بهذه
القوة، وأجنحة بهذه المتانة، لكفيلة بأن تساند د. محمد
مرسى فى حمل راية الأمة وتحقيق نهضتها.
ويكفى فى هذه
العجالة أن أسرد بعض مقومات النهضة الإسلامية التى تتفوق
فيها جماعة الإخوان المسلمين على غيرهم من كل القوى
السياسية الأخرى، ومن هذه المرتكزات والمقومات:
ــــــ أن جماعة
الإحوان المسلمين هى التى تحمل الدواء لمصر، وتأخير الدواء
عن المريض جريمة لا يغفرها القانون ولا تتسامح فيها
الإنسانية، ودواؤها فى إسلامها، والإسلام بحق هو الشفاء
الذى أنزله الله للعالم، والدواء الذى أنقذ الله به
البشرية فى الجاهلية من هيامها بالخمر، وولعها بالزنا،
وتفاخرها بالأنساب والأحساب، وتقاتلها بلا سبب، وظلمها
الشائع، وانتقامها الذائع ، حتى قال قائلهم:
بغاة ظالمين وما
ظلمنا ولكنا سنبدأ ظالمــــــينا
لقد أنقذهم
الإسلام من كل الموبقات، وعالج عندهم كل الشرور، وطهرهم من
كل الأدران، وقدم لهم الدواء الناجع والهدى الساطع للبرء
من كل الأمراض،وصدق الحق إذ يقول" وَنُنَزِّلُ مِنَ
الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ
وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً" الإسراء :
82،
ــــــ أن
جماعة الإخوان المسلمين هى التى تجيد فن الخدمة للناس،
والعمل على إسعادهم وراحتهم، لأنها تؤمن بأن التقرب إلى رب
العالمين بخدمة خلقه والإحسان إليهم من أعظم الأسباب
الجالبة لكل خير، وأن أضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل
شر، فما استُجْلبِت نعمُ الله واستُدفعت نقمه بمثل طاعته
والإحسان إلى خلقه"، خاصة وأن الناس فى أحوال كثيرة
ينتظرون من يقدم الخدمة لهم، حتى وإن كانت هذه الخدمة يدا
حانية تمسع دموعهم أو تخفف آلامهم، أو تستر عورتهم وتقضى
حاجاتهم. ومن يتقن هذا الفن العظيم مع الناس، ويدرك أن فى
شكوى الفقير ابتلاءٌ للغني، وفي انكسار الضعيف امتحان
للقوي، وفي توجُّع المريض اختبار للصحيح، ويعمل فى خدمة
هؤلاء جميعا، يستحق أن يتصدر المشهد، ويملك بذلك واحدة من
أهم ركائز النهوض، وسلاحا من أسلحة التفوق، وهذا ما أكده
رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول : "أَحَبُّ
النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ
الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى
مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَقْضِي
عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا ..".
ـ إن جماعة
الإخوان المسلمين مطلوبة للولاية العامة فى هذه المرحلة لا
طالبة لها، وقد رأينا طلب جمهورها وشعبيتها لها فى
الانتخابات السابقة، والناهض بالأمة فى زماننا هذا، لا
ينبغى أن يكون من بين هؤلاء الذين يجرون وراء الولايات أو
المناصب، وينتهى جريهم وطلبهم لها إلى لا شيئ، بل ينبغى أن
يكونوا ممن تطلبهم هذه الوظائف والولايات، بناء على أنهم
مميزون فى أخلاقهم، ومميزون فى مؤهلاتهم، ومميزون فى
تخصصاتهم، ومميزون فى درجاتهم وتقديراتهم، ومميزون فى
أدائهم لعملهم، ومميزون فى تعاملهم مع جمهورهم، ومميزون فى
التزامهم بآداب وظائفهم، مميزون فى كل شيئ ... والإنسان
يستطيع أن يصل إلى هذه الدرجة من التميز بطاعته لله عز وجل
فى كل شيئ أولا، ثم بجهده وسهره وعرقه وكده ثانيا، ورحم
الله الإمام الشافعى حين قال :
بقدر الجد تكتسب المعالى ومن طلب العلا سهر
الليالى
والإنسان حينما
يكون على هذه الدرجة من التميز يكون مطلوبا لا طالبا،
وتلكم هى القاعدة الذهبية التى أشار إليها عبد الله بن
عباس رضى الله عنهما حينما قيل له بم حزت هذا العلم والفضل؟
فقال لسائله :" ذللت طالبا فعززت مطلوبا " .
ــــ أن
جماعة الإخوان المسلمين جماعة بارعة فى التخطيط والتنظيم ،
وقد أكدت العلوم الحديثة إن من أهم الأمور التى صارت بدهية
وضرورية فى حياة الناس اليوم، التخطيط السليم لسير حياتهم،
وتحقيق أهدافهم، التخطيط الذى يعنى وضع خطة لمواجهة
احتمالات المستقبل وتحقيق الأهداف المنشودة، أو بمعنى آخر،
هو رسم خريطة الطريق الذي تريد أن تسلكه في هذه الحياة .
وحتى ينهض المصريون من كبوتهم ويعيدون سيرة أسلافهم
الصالحين، ويعملون على إعادة أمجادهم وحضارتهم، لا بد يصبح
التخطيط ضرورة فى حياتهم، لأن التخطيط بعد الاستعانة بالله
سبحانه يعد خير معين لهم فى الوصول إلى أهدافهم، وكما
يقولون من يفشل فى الخطيط فقد خطط للفشل. وقد رأينا جماعة
الإخوان المسلمين طيلة مسيرتها حتى وقت أن كانت محظورة،
كيف كانت تخطط لعملها، وكيف كانت تجعل من العثرات خطوات
نحو تحقيق أهدافها، وكيف كانت تسارع إلى النهوض بالتخطيط
السليم بعد كل عقبة، وكيف كانت تفيد من كل خطوة فى طريقها
حتى وإن كانت خاطئة، فالناهض بنفسة وبغيره من حوله لا بد
أن يفيد من أخطائه ومن عثراته، وبمعنى آخر لا بد أن يربح
من خسارته، فالطريق التى لا تؤدى إلى الهدف أعلم يقينا بعد
التجربة أنها طريق غير موصلة، وبمثل هذه التجارب الفاشلة
أكتشف الطرق غير المجدية، والأساليب غير النافعة، حتى لا
أعود إليها أبدا، وأضعها فى لا ئحة الأشياء التى لا تجدى،
ويظل الإنسان على هذا الطريق حتى تأتيه اللحظة التى يكتشف
فيها السبيل الآمن والطريق المستقيم.
وبناء على هذه
المقومات ندرك أن المرحلة القادمة شديدة الخطورة وتحتاج
إلى المخلصين الصادقين من هذه الأمة، ومن لديهم ركائز هذه
النهضة التى ننشدها، وتجاه هذا الأمر أرى أننا بحاجة
حقيقية إلى قلوب هينة لينة لا تتعصب لآرائها، ولا تتهجم
على غيرها، وإن خالفتها فى الرأى وعارضتها فى المذهب، بل
تبحث عن الحق بكل حيادية ونزاهة، ولا تميل إلا إليه، ولا
تبذل أو تضخى إلا من أجله. هذه هى حاجتنا الحقيقية، الحاجة
إلى قلوب صادقة لتتقارب وتلتف حول مرشحها الإسلامي القادر
على قيادة السفينة، والمطلوب هو التقارب، لأن التقارب
مفاعلة من كل أطراف الأمة، وحركة من كل جوانبها، وسعى من
كل طوائفها، بغية الالتقاء على الهدف، والالتحام فى الصف،
والتداخل فى العمل، والاتحاد فى الميدان " إن الله يحب
الذين يقاتلون فى سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص".
إننا فى مصر
أمام ساعات الحسم ودقائق الفصل، أرى صيحة الحق تزلزل
أقدامنا، وتحرك ضمائرنا، وتهز أوتار قلوبنا، وترج الأرض من
تحت أقدام المصريين جميعا رجا، وتبث الجبال بثا، أن كونوا
مع الصادقين، إنها صيحة الحق سبحانه
No comments:
Post a Comment