ابحث على الانترنت

Pina Slimmer

Friday, August 21, 2009

قصة هجرة المسلمين الاوائل الى الحبشة

لما اشتدَّ الإيذاء والعذاب بالمسلمين جاءت الخطوة التكتيكيَّة من رسول الله r في محاولة منه للأخذ بأسباب الحفاظ على الدعوة الإسلاميَّة التي غدت مهدَّدة من قريش، وذلك أنه مأمور بالكفِّ والإعراض عن المشركين، فلم يكن الحلُّ إلا أن تهاجر تلك الطائفة المؤمنة بدين الله U إلى مكان آخر، فكانت الهجرة الأولى إلى الحبشة؛ حيث قال رسول الله r لأصحابه: "لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى الْحَبَشَةِ؛ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لاَ يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ"[22]، وقد أمر r أربعة عشر مؤمنًا بالهجرة، وكان على رأسهم عثمان بن عفان t، وزوجته رقية بنت رسول الله r، وجعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله r، وكان ذلك في السنة الخامسة من البعثة.

وعلى الرغم من خروج المسلمين خفية وأخذهم للحيطة والحذر، إلاَّ أن قريشًا كشفت أمرهم وخرجت في أثرهم، فلم يكن من المسلمين إلا أن ابتهلوا إلى الله U الذي أنجاهم بسفينتين كانتا على الميناء، فانطلقوا آمنين إلى أرض الحبشة وأقاموا فيها في أحسن جوار.

وفي نفس هذه السنة التي تمَّت فيها الهجرة الأولى للحبشة خرج النبي r إلى الحرم، وكان هناك جمعٌ كبيرٌ من قريش فيه سادتها وكبراؤها، فقام فيهم وأخذ يتلو سورة النجم بغتة، فلما باغتهم بتلاوة هذه السورة، وقرع آذانهم بهذا الكلام الإلهي الخلاَّب، تفانَوْا عمَّا هم فيه، وبقي كلُّ واحد مصغيًا إليه، لا يخطِر بباله شيء سواه، حتى إذا تلا في خواتيم هذه السورة قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62]، وأشاعوا أنه قرأ آيات معيَّنة تُعَظِّم من شأن اللاَّت والعزَّى؛ ولذلك لمَّا جاءت آية السجود سجدوا تعظيمًا لآلهتهم! ثم سجد لم يتمالك أحدٌ نفسه حتى خرَّ ساجدًا! وسُقِطَ في أيديهم، وقد توالى عليهم اللوم والعتاب من كل جانب ممن لم يحضر هذا المشهد من المشركين، وعند ذلك كذبوا على رسول اللَّه r.

أما مهاجرو الحبشة، فإن هذا الخبر قد بلغهم في صورة أخرى، مفادها أن قريشًا أسلمت، فرجعوا إلى مكة في نفس السنة التي هاجروا فيها، ولما وصلوا قبل مكة وعرفوا حقيقة الأمر رجع منهم مَن رجع إلى الحبشة، ولم يدخل في مكة من سائرهم أحد إلا مستخفيًا، أو في جوار رجل من قريش.

على أن المشركين عادوا إلى سابق عهدهم من إيذاء المسلمين، وخاصَّة بعد ما حدث من سجودهم في الكعبة، وما بلغهم من استقبال النجاشي الحافل للمهاجرين، ذلك الأمر الذي رفع معنويَّات المؤمنين وأغاظ المشركين، فأخذ رسول الله r قرار الهجرة مرَّة ثانية إلى أرض الحبشة، والتي كانت أشقَّ من سابقتها؛ إذ إن قريشًا تيقَّظت لها وقرَّرت إحباطها، بَيْدَ أن المسلمين كانوا أسرع، ويسرَّ اللَّه لهم السفر، فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن يُدْرَكُوا، وقد بلغ عددهم قرابة المائة من الرجال والنساء[23].

وقد عزَّ على قريش أن يجد المسلمون مأمنًا لهم في الحبشة، فأرسلت رجلين لَبِيبَيْنِ هما عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة إلى النجاشي لإقناعه بأن هؤلاء المسلمين أعداء له قبل أن يكونوا أعداءً لهم، وأرسلت معهما الهدايا الثمينة للنجاشي ولبطارقته، حتى يردوهم.

ولكنَّ النجاشي العادل لم يرضَ إلا بأن يسمع من الطرف الآخر أيضًا، فأرسل إلى المسلمين فتكلَّم نيابة عنهم جعفر بن أبي طالب، فقال: أيها الملك، كنَّا قومًا أهل جاهليَّة، نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونُسيء الجوار، ويأكل منا القويُّ الضعيف، فكُنَّا على ذلك، حتى بعث اللَّه إلينا رسولاً منَّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحِّده ونعبده، ونخلع ما كنَّا نعبد - نحن وآباؤنا - من دونه من الحجارة والأوثان، وأَمَرَنَا بصدق الحديث وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفِّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأَمَرَنَا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام - فعدَّد عليه أمور الإسلام – فصدَّقناه، وآمنا به، واتَّبعناه على ما جاءنا به من دين اللَّه، فعدا علينا قومنا، فعذَّبونا وفتنونا عن ديننا، فلمَّا قهرونا وظلمونا وضيَّقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نُظلم عندك أيها الملك.

ثم قرأ عليه جعفر t صدرًا من سورة مريم فبكى النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال لهم النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلِّمهم إليكما ولا يكادون. فخرجا.

وهنا قال عمرو بن العاص لعبد الله بن أبي ربيعة: والله لآتينَّهم غدًا بما أستأصل به خضراءهم. فلما كان الغد قال للنجاشي: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيمًا. فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن ذلك، فقال له جعفر: نقول فيه الذي جاءنا به نبيُّنَا r؛ هو عبد الله ورسوله، وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فأخذ النجاشي عودًا من الأرض، ثم قال: واللَّه ما عدا عيسى ابن مريم ما قُلْتَ هذا العود. ثم قال لحاشيته: ردُّوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لي بها، فواللَّه ما أخذ الله منِّي الرشوة حين ردَّ عليَّ مُلْكِي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيَّ فأطيعهم فيه. قالت أم سلمة التي تروي هذه القصة: فخرجا من عنده مقبوحَيْنِ مَرْدُودًا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار[24].

[22] سيرة ابن هشام 1/321، والسهيلي: الروض الأنف 2/89.

[23] انظر: السيرة النبوية لابن كثير 2/9، وابن القيم: زاد المعاد 3/20، وشمس الدين الصالحي: سبل الهدى والرشاد 2/389.

[24] سيرة ابن هشام 1/335، وابن كثير: البداية والنهاية 3/88-94.

اللهم صلى على محمد رسولك و حبيبك

www.ahlawia.com


www.damnhour.com


www.egypt4fun.com


www.egyonair.com

No comments:

Post a Comment

Linkwithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...